عوامل تدهور الحضارة الغربية - دراسة تاريخية سوسيولوجية تحليلية في ضوء نظرية الفيلسوف الألماني اوسفالد شبنغلر

الملخص

لعل الهدف الرئيس الذي تنشده هذه الدراسة هو التعرف على المصير المستقبلي الذي ينتظر الحضارة الغربية المعاصرة في ظل التحديات التي تواجهها، تتزامن مع أعراض مرضية وبيلة على مختلف الأصعدة تسرع في تدهورها من ثم اندثارها في ضوء تنبؤات الفيلسوف الألماني شبنغلر. وقد خلصت الدراسة إلى أن الحضارة الغربية وفق رؤية شبنغلر تعيش مرحلة احتضار بعد أن مرت بتقدم علمي وتطور حضاري غير مسبوق. ووفقاً لنظرية شبنغلر التي ناقشتها هذه الدراسة بعمق ومن مختلف جوانبها: "أن الحضارات تمر بنفس المراحل التي تمر بها الكائنات الحية. الميلاد، والنمو، والشباب، ثم الشيخوخة والموت. فمثلاً مرت الحضارات القديمة بهذه المراحل لتمر الحضارة الغربية بالمراحل ذاتها ليحل محلها حضارة جديدة". هذا في الوقت الذي انسجمت فيه هذه الدراسة مع ما تنبأ به شبنغلر حول حتمية تدهور الحضارة الغربية بعد بلوغها ذروة الإبداع والتفوق التقني (التكنولوجي) حيث يؤكد في هذا السياق على: "أن الحضارة الغربية اليوم بدأت تواجه مشكلات متعددة في غاية الخطورة والتعقيد لعل من أبرزها الإرهاب، والأزمة الاقتصادية، والمخدرات، والعنف، والتفكك القيمي والتشرذم في النسيج الاجتماعي، والفساد الأخلاقي، وجائحة التلوث البيئي"، وهذه الآفات بلا ريب دليل ساطع على قرب تدهور صرح الحضارة الغربية وانهياره. كما قارنت هذه الدراسة بين رؤية شبنغلر لمصير الحضارة الغربية وبين رؤية الفيلسوف الإنجليزي أرنولد توينبي لمستقبل هذه الحضارة ومصيرها، وآية ذلك أن توينبي لا يتفق مع ما ذهب إليه شبنغلر في نظرته التشاؤمية حول مصير الحضارة الغربية، ويرى أنه بإمكان الحضارة التي تصل إلى مرحلة التدهور أن تنهض وتتطور نتيجة للتحديات حيث تحصل الاستجابة. فتمر الحضارة من جديد بنفس الدورة من الميلاد إلى الشيخوخة، حيث تظهر أقلية مبدعة تستطيع إنقاذ الحضارة الغربية، وإيقاف تدهورها بشرط وجود عاملين مهمين هما الدين والعلم، وهنا يمكن القول إن نظرية شبنغلر أقرب إلى الصواب من نظرية توينبي لأن الحضارة الغربية غيبت الدين واقتصرت على العلم وحده، فأصبحت كالبطة العرجاء، ولعل هذه السياسة الممنهجة للدول الغربية التي تزدري الأديان السماوية هي إشكالية رئيسة في تأجيج الصراع الحضاري المحتدم بين الشرق والغرب.